قوله (اِتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ) هذا أمْر بالتقوى، و(حَيْثُمَا) هذه متعلقة بالأزمنة والأمكنة، يعني في أي زمان كنت، وفي أي مكان كنت؛ لأن كلمة (حَيْثُ) قد تتوجه إلى الأمكنة، وقد تتوجه إلى الأزمنة؛ يعني قد تكون ظرف مكان، وقد تكون ظرف زمان، وهي هنا محتملة للأمرين، (اِتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ) يعني اتق الله في أي مكان أو في أي زمان كنت. والأمر بتقوى الله جل وعلا هنا على الوجوب؛ لأنّ التقوى أصل عظيم من أصول الدين:
u وقد أمر الله جل وعلا نبيه بأنْ يتقي الله، فقال جل وعلا: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾[الأحزاب:1]، وأمر المؤمنين بأنْ يتقوا الله حق تقاته ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾[آل عمران:102]، وأمرهم بتقوى الله بعامة ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾[الأحزاب:70]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾[الحشر:18] وأشباه ذلك. وتقوى الله جل وعلا جاءت في القرآن في مواضع كثيرة.
v وأتَتِ التقوى في مواضع أُخر بتقوى عذاب الله جل وعلا، وبأنْ يتقي النار، وأنْ يتقي يوم القيامة كما قال جل وعلا ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾[البقرة:281]، وقال جل وعلا ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ﴾[آل عمران:131]، وهكذا في آيات أُخر.
فهذان إذن نوعان، فإذا توجهت التقوى، وصارَ مفعولُها لفظَ الجلالةِ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ ([1]) فمعنى تقوى الله جل وعلا هنا أنْ تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه وأليم عقابه في الدنيا وفي الآخرة وِقاية تَقِيكَ منه، وهذه الوقاية بالتوحيد، ونبذ الشرك، وهذه هي التقوى التي أُمر الناس جميعا بها؛ لأن تقوى الله كما ذكرت لك من معناها راجعة إلى المعنى اللغوي، وهي أنّ التقوى أصلها (وَقْوَى) فالتاء فيها منقلبة عن واو، وهي من الوِقاية، وَقَاهُ، يَقِيهِ، وِقَايَةً، فالمتقي هو من جعل بينه وبين ما يكره وقاية، بينه وبين سخط الله وعذابه وأليم عقابه وقاية.
([sup][1])[/sup]الحشر:18, الحديد:28، الأحزاب:70، التوبة:119، المائدة:35، آل عمران:102، البقرة:278.