[الشرح]
هذا الحديث أيضا من أحاديث الوصايا، وهو الحديث الواحد والعشرون، حديث سفيان بن عبد الله أنه (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً, لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحدا غَيْرَكَ قَالَ « قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمّ اسْتَقِمْ ») هذا طلب وصية، طلَبَ من الرسول أن يوصيه، وقوله(قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ) يعني قل لي وصية في شأن الإسلام، (قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً) يعني أوصني في أمر في الإسلام، في دين الإسلام لا يحوجني معه أن أسأل أحدا عن أمر آخر، فقال عليه الصلاة والسلام وهو من جوامع كَلِمِهِ عليه الصلاة والسلام قال (قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمّ اسْتَقِمْ) وهذا مأخوذ من قول الله جل وعلا ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾[فصلت:30] الآية، فقوله في الآية جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) هو كقوله عليه الصلاة والسلام هنا « قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمّ اسْتَقِمْ »، وفي رواية «قُلْ آمَنْتُ بِالله فَاسْتَقِمْ» وهذا الحديث في معنى الآية، ومعنى الإيمان بالله هو معنى أنْ تقول: ربي الله؛ لأن قول العبد ربي الله معناها معبودي الله وحده لا شريك له؛ لأن الابتلاء في القبر يكون بمسألة العبودية؛ التوحيد الذي هو توحيد الإلهية ويأتي بصيغة الربوبية؛ لأن العبد يُسأل في قبره من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟، فمن ربك يعني من معبودك ؟ الرب يطلق ويراد به المعبود؛ لأن المعبود؛ يعني توحيد المعبود لازم عن توحيد الرب، فتوحيد الإلهية لازم لتوحيد الربوبية، فمن أيقن بتوحيد الربوبية لزم عنه أن يوحد الله في الإلهية، وفي أسمائه وصفاته، بهذا كان الاحتجاج في القرآن على المشركين كثيرا في توحيد الربوبية، الاحتجاج عليهم بتوحيد الربوبية في توحيد الإلهية، كما في قوله جل وعلا ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ(31)فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾[يونس:32-33]، وكقوله ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف:87]، وكقوله ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[الزخرف:9]، والآيات في هذا كثيرة، وطريقة القرآن أنه يحتج على المشركين بما يقرون به، وهو توحيد الربوبية على ما ينكرونه وهو توحيد الإلهية.