دنيا الخلود
دنيا الخلود على الأيام دنيانا
تفنى الليالي ولا تفنى سجايانا
لولا عروبتنا ما سار في فلكٍ
نجمٌ يضيء وهذا الكون ما كانا
صغنا الحياة هدىً والمجد منزلةً
والعلم نافلةً والحق تبيانا
قد شرّف اللّه منمانا فكرّمه
نسْغاً تبارك عود الطيب منمانا
نسرُ العروبة شق الغيب مقتحماً
نهر المجرة يطوي الشهب نشوانا
جاز المدى بجناح كان عدنانا
ملء الدنى وجناح كان قحطانا
هذي شمائلنا العرباء قد وسعت
عرض السّماوات والأرضين إحسانا
من كعبة الله حتى بيت مقدسه
مسرى النبيين منا. جلّ مسرانا
جبريل والملأ الأعلى يحفُّ به
وحيٌ من اللّه عند الغار وافانا
نادى فماجت بطاح البيد راقصةً
واهتزّ عطف الروابي حين نادانا
فوق الرمال رؤى والكون رجعُ صدى
نجواه ملء سماع الخلد نجوانا
إنا طلعنا على التاريخ ملحمة
راحت تكحِّل جفن الدهر عرفانا
ردنا المجاهل لم تُسبر مواقعها
من قبلُ حتى أباحتها سرايانا
يلقى بنا العهد أهلاً والتقى رسلا
والمجد بانين والهيجاء فرسانا
في كل أفق سكبنا ذوب قدرتنا
نوراً نذرناه للأجيال قربانا
نحن الهداة سلو التاريخ هل عرفت
فيه الحضارات والأمجاد لولانا
شدنا المعارف بنيانا يضاء به
لم يعرف العلم أسمى منه بنيانا
كان الضلال دجىً والظلم غاشيةً
حتى نصبنا من القسطاس ميزانا
في هدرة الموج عصفٌ من تمردنا
عاتٍ وفي الصبح صفوٌ من نوايانا
زهْر النجوم كرومٌ في مرابعنا
منها اعتصرنا سلافاتٍ حميّانا
ما رنّح الغصن إلا شدْوَ منشدنا
شعراً وما ماس إلا من "حكايانا"
نفح الأزاهير في نيسان ذكرانا
طيباً ومن طهرها العذريّ معنانا
قد أذّن الفجر في آفاق أمتنا
زحفاً أصاخت له الآباد آذانا
زحف العروبة والآمال مشرقة
نعمى تمد ظلال الخير أفنانا
إنا ركزنا على الأفلاك رايتنا
عرباء خافقة يمناً وإيمانا
عزّت نفوسٌ لنا جبارةٌ ولكم
في حومة السّاح أرخصنا منايانا
لو قسّم الله نعمى فضلنا لكفى
من في البرية فضل من عطايانا
في القادسية واليرموك قد عرفت
سوح البطولات مخزوماً وشيبانا
والهند والصينُ سفرا فتحنا كرما
سفرين عزا على التاريخ عنوانا
كسرى وقيصر دانا في الوغى
وهما سيفا إباء لغير العرب مادانا
نصرٌ من الله خيلُ الفاتحين مضت
تجتاح غازية فُرساً ورومانا
خيل النشامى على أرجاء أندلسٍ
خيلٌ تعشقن أقصى الأرض ميدانا
نصب العيون كتاب اللّه ممتثلاً
للناشرين لواء الحق قرآنا
جابوا به الأرض نبراس الهدى
وبه جاؤوا على منتهى الإعجاز برهانا
أعلوا بأحكامه السمحاء مملكةً
قد طاولت قبةَ الجوزاء أركانا
أنّى السّحاب مضى لابدّ هاطلة
يسقي ثراها أهاضيباً وقيعانا
يا وحدةَ العُربْ يا عصماء ألمحها
من عالم الغيب ملء العين ولهانا
مرّي على الجفن أنشقْ منك غاليةً
تحيي الفؤاد وألثمْ منك أردانا
لولاك لولاك ما سلسلت قافيةً
من حبّة القلب أنغاماً وألحانا
وقفٌ عليك دمائي والهوى قدر
طاغٍ يذيب شغاف القلب أشجانا
كلّ الجمال بعيني لست أعشقه
إلا جمالك شاق العين فتانا
يا منية العمر هل في الملتقى أملٌ
أم هل تطول بنا الأيام هجرانا
لولا الرجاء لما جاهدت
مصطبراً عفَّ الخطا ولما رافقت إنسانا
كان الدليلَ إلى الإصباح حين دجى
ليلٌ وكان إلى الشطآن ربانا
لهفي على العُرْب ناب الخلف
مزقهم شعباً وشتتهم داراً وأوطانا
واخجلة المجد عقت قومها فئةٌ
أمست من الحقد للأعداء أعوانا
راحت تكيد لنا في كل سانحة
كيداً وتمعن في البغضاء إمعانا
وزرُ المعقة وزرٌ ليس يحمله
في الناس قاطبة غير الذي خانا
في دير ياسين عارٌ لو أريق له
بحر من الدمّ لم يغسله أدرانا
أرض النبيين كيف المسخ حل بها
داراً تسامت أهاليلاً وصلبانا
حيفا سلاب ويافا لن يعيد لنا
غير الصوارم حيفانا ويافانا
أضحى اليهود وأمسوا في الديار
أما آن اللقاء على ثأر أما آنا
هان التراب تراب القدس دنّسه
لصٌ فديت تراب القدس.. لاهانا
قاسى أذاه وعانى غدره طرقاً
شتى فلله ما قاسى وما عانى
ذلت عروبتنا والحق مغتصبٌ
إن لم نفجْره فوق القدس بركانا
أسمى عطاء: شهيد الحق من دمه
روّى التراب ولاقى اللّه ظمآنا
إني لأرسل دمعي كلّما خطرت
ذكرى"اللواء" على الخدين هتانا
ما عيب دمع على الأوطان
منسكب إن حنّ صبٌّ إلى مغناه تحنانا
لو أستطيع لكانت ثورتي قدراً
لا يُفتدى ولكنت الموت ديانا