4- المسارعة :
إن عملية التغيير لابد أن تسير بخطى سريعة ؛ لأن البطء يمكن أن يؤدي إلى التكاسل عن إتمام تلك العملية ، وبالتالي الانسحاب من المعركة دون تحقيق شيء من النصر .
قال تعالى : ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:133] .
قال تعالى : ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ......﴾ [الحديد: من الآية21] .
قال تعالى : ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: من الآية148] .
ومدح الله عز وجلَّ زكريا عليه السلام وآله فقال : ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾[الأنبياء: من الآية90] .ومدح أهل الإيمان والخشية بقوله: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾[ المؤمنون:61] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة )) [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] . والتؤدة هي التأني والتثبت وعدم العجلة .
وانظر إلى مسارعة عمير بن الحمام رضي الله عنه إلى نيل الشهادة ، فإنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض )) .
فقال : يا رسول الله ! جنة عرضها السموات والأرض !!
قال : « نعم » .
قال : بخٍ بخٍ .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ؟ )) .
قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها .
قال : (( فإنك من أهلها )) ، فأخرج عمير تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة !! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل الكفار حتى قتل رضي الله عنه . [ رواه مسلم ] .
وانظر كذلك إلى مسارعة الصحابة رضوان الله عليهم في الاستجابة لأمر الله تعالى في تحريم الخمر وهم الذين نشئوا وتربوا على شربها ، فما أن سمعوا المنادي ينادي بأن الخمر قد حرمت حتى أهرقوا ما معهم في شوارع المدينة .
هكذا كانت مسارعة القوم إلى مرضات الله تعالى ، فأين نحن من هؤلاء ؟
5- الفورية :
إن التغيير من المعصية إلى الطاعة ، ومن الاعوجاج إلى الاستقامة واجب على الفور ، لا يجوز في ذلك التراخي أو الانتظار ، فمن انتبه من غفلته وأبصر ما هو عليه من ضياع ومخالفة، لابُدَّ أن يبدأ فوراً بالتغيير ، أسوة بالصديق رضي الله عنه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه دعوة الإسلام، وعرف أنه الحق، لم يتلعثم ولم يتردد، وإنما آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وشهد شهادة الحق من ساعته، وبذل نفسه وماله في سبيل الله عزَّ وجلَّ .
وهؤلاء سحرة فرعون، لمَّا ألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، علموا أن موسى على الحق ، وأنه رسول من ربَّ العالمين ، فقالوا على الفور : ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [لأعراف: من الآية121- 122] . ولم يلتفتوا بعد ذلك إلى فقد مناصبهم الدنيوية ومكانتهم الاجتماعية ، حيث كانوا مقربين من فرعون ، ولم يعبئوا كذلك بما توعدهم به فرعون من العذاب والنكال بتقطيع أيديهم وأرجلهم وصلبهم على جذوع النخل .
6- العلم :
وهي كلمة إن عملية التغيير وهي الجانب العملي ، لابد أن يرافقها جانب علمي ، وهذا الجانب العلمي هو الذي تنضبط به عملية التغيير ، فلا تنحرف لا إلى التفريط ولا إلى الإفراط ، وإنما تسير على المنهج الوسط الذي ارتضاه الله تعالى لعباده ، قال تعالى في شأن أعظم كلمةوهى كلمة التوحيد : ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: من الآية19] .
فعلى مُريد التغيير أن يطلب العلم بكل طريقة شرعية ، فيجالس العلماء وطلاب العلم ، ويواظب على حضور الدروس العامة والخاصة ، ويكثر من المطالعة في كتب أهل العلم ، ويمكن كذلك الاستفادة من الأشرطة العلمية المسجلة ، والاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم ، كذلك متابعة مواقع أهل العلم المنتشرة عبر شبكة الإنترنت .
7- التقيد بالكتاب والسنة :
على طالب التغيير أن يتقيد بالكتاب والسنة وما دار في فلكهما ، وليحذر أشد الحذر من أهل الأهواء والبدع ، فإن فتنتهم عظيمة وخطرهم كبير ، فعليه في باب الاعتقاد أن يعتقد عقيدة أهل السنة والجماعة ، وهي العقيدة الصحيحة التي لا نجاة للمرء إلا باعتقادها ، وحبَّذا لو أخذ هذه العقيدة عن أهل العلم المعروفين بالتقوى وحسن المعتقد ، فقد قال أيوب رحمه الله : إن من سعادة الحدث وأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة .
وليحذر كذلك من البدع في العبادات وغيرها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ؛ فهو ردّ )) أي : مردودٌ على صاحبه لا يقبل ، فإن العمل لا يُقبل إلا إذا ابتغي به وجه الله تعالى ، وكان موافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
8- الجدية :
الجدية مطلب أساس لطالب التغيير ، فإن بعضاً من الملتزمين افتقدوا الجدية ، فتساهلوا في بعض القضايا ، وتميعت لديهم بعض المفاهيم ، وتنازل بعضهم عن كثير من الأمور الشرعية حتى صار الالتزام لديهم مجرد شكل دون مضمون ، والله تعالى يقول : ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾ [البقرة: من الآية93] . وقال عن موسى عليه السلام: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾ [لأعراف: من الآية145] .
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجدية في التمسك بالسنة ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( عضُّوا عليها بالنواجذ .... )) .
والجدية تشمل المظهر ، فلابد أن يكون المسلم جاداً في مظهره غير مائل إلى الترف والتبذير ، ولا يمنع ذلك أن يكون نظيف الثياب حسن الهندام .
والجدية تغلب كذلك على مجالس المسلم ، فهي ليست مجالس لهو ولعب وغيبة ونميمة وسخرية واستهزاء ، وإنما مجالس علم ومعرفة وثقافة وكلمات نافعة وحوارات بناءة ، ولا بأس ببعض الطرائف التي لا تُخرج المجلس عن حدود الوقار والأدب .
9- تبديل الاهتمامات :
على طالب التغيير أن يقوم بتبديل اهتماماته وفقاً لمنهج الإسلام الذي ارتضاه ، فيترك ما كان عليه من اهتمامات باطلة ويجعل مكانها غيرها من الاهتمامات النافعة ، مثال ذلك : يترك شرب الدخان والمكسرات والمخدرات ، ويترك الممارسات المحرمة ؛ كالزنا واللواط والعادة السرية والمعاكسات بأنواعها ، ويترك سماع الغناء ومشاهد سموم القنوات ، ويترك الكبر والغرور والسخرية والاستهزاء بالآخرين وتترك المرأة التبرج والسفور وتغيير خلق الله عزَّ وجلَّ ، وتترك ترك الصلاة والتهاون بها ، وتترك مجالس الغيبة والسخرية والنميمة والكذب .
ويتجه الجميع إلى طاعة الله عزَّ وجلَّ وذكره وشكره ودعائه في السراء والضراء ، ويتجهوا إلى تلاوة كتاب الله عزَّ وجلَّ وحفظه وتدبره وتعلُّمه وتعليمه ، ويلجئوا إلى الصلاة والمحافظة عليها ، وإلى حضور مجالس العلماء والقراءة في كتب أهل العلم إلى غير ذلك من الأمور الجادة التي تدل على صدق المرء في توجهه نحو التغيير الصحيح .