إذا تبين هذا الشرح العام للحديث، فما المراد بالبدع والمحدثات؟
هذه مما اختلف العلماء في تفسيرها، والمحدثات والبدع منقسمة إلى محدثات وبدع لغوية، وإلى محدثات وبدع في الشرع.
¨ أما المحدث في اللغة: هو كل ما كان أُحْدِثَ، سواء أكان في الدين، أو لم يكن في الدين، وإذا لم يكن في الدين فإنّ هذا معناه أنه لا يدخل في هذا الحديث، وكذلك البدع، ولهذا قسم بعض أهل العلم المحدثات إلى قسمين: محدثات ليست في الدين، وهذه لا تُذَم، ومحدثات في الدين، وهذه تذم.
مثل المحدثات التي ليست من الدين: مثل ما حصل من تغير في طرقات المدينة، وتوسعة عمر الطرقات، أو تجصيص البيوت، أو استخدام أنواع من البُسط فيها، واتخاذ القصور في المزارع، وما أشبه ذلك مما كان في زمن الصحابة وما بعده، أو اتخاذ الدواوين، أو ما أشبه ذلك، فهذه أُحدثت في حياة الناس فهي محدثة، ولكنها ليست بمذمومة؛ لأنها لم تتعلق بالدين.
كذلك البدع، منها بدع في اللغة يصح أن تسمى بدعة، باعتبار أنها ليس لها مثال سابق عليها في حال مَنْ وصفها بالبدعة، وبدع في الدين، وهذه البدع التي في الدين كان الحال على خلافها، ثم أُحْدِثَتْ.
مثاله قول عمر t لما جمع الناس على إمام واحد، وكانوا يصلون أشتاتا في رمضان، جمعهم في التراويح على إمام واحد قال ”نعمت البدعة هذه“، فسماها بدعة باعتبار اللغة؛ لأنها في عهده بدعة، يعني لم يكن لها مثال سابق في عهد عمر، فتعلقت باللغة أولا، ثم بالمتكلم ثانيا.
إذا تبين هذا فالمقصود بهذا الحديث المحدثات والبدع في الدين، والبدعة في الدين دَلَّ الحديث على ردها، ودل على ذلك آيات كثيرة وأحاديث كثيرة، كما قال جل وعلا)أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ([الشورى:21]، فسماهم شركاء؛ لأنهم شرعوا من الدين شيئا لم يأتِ به محمد عليه الصلاة والسلام، لم يأذن الله به شرعا، وقد قال جل وعلا)الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا([المائدة:3]، وقال جل وعلا)قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ([آل عمران:31]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، ويصلح أن يكون منها قوله جل وعلا)وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا([الحشر:7]، وقد جاء أيضا في الأحاديث ذم البدع والمحدثات، كما كان عليه الصلاة والسلام يقول في الجمعة وفي غيرها «ألا إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وقد جاء أيضا في السنن من حديث العرباض بن سارية t أنه قال «وَعَظَنَا رَسُولُ الله ذات يوم مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فقلنا: يا رسول الله، كأنها مَوْعِظَةُ مُوَدّعٍ» الحديث. وفيه قال عليه الصلاة والسلام«إِنّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فسيَرَ اخْتِلاَفَاً كَثِيراً، فَعَلَيْكم بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ المُهْدِيّينَ من بعدي، تمسكوا بها، وعَضّوا عَلَيْهَا بالنّوَاجِذِ؛ فإنّ كل محدثة بدعة» والعلماء؛ علماء السلف أجمعوا على إبطال البدع، فكل بدعة في الدين أُجْمِعَ على إبطالها إذا صارت بدعة في الدين، دخل العلماء في تعريف البدعة، ما هي التي يحكم عليها بأنها رَدّ؟ لأن هذا الحديث دل على أن كل محدثة ردّ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ).