قال (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَـاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) هنا (وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) فُسِّرَتْ بتفسيرين:
1. الحرام الذي هو أحد الجانبين الذي الشبهات فيما بينهما؛ لأن جانب حلال، وجانب حرام، فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام الذي هو أحد الجهتين.
2. وفُسِّرَ الحرام بأنه وقع في أمر مُحَرَّم؛ حيث لم يستبرئ لدينه، حيث وقع في شيء لم يعلم حكمه، شيء مسألة واقعتها بلا علم منك أنّه جائز، فلا شك أن هذا إقدام على أمر دون حجة.(فَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَـاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ).
وهذا في المسائل التي تتنازعها الأمور بوضوح، هناك مسائل من الورع يستحب تركها، ليست هي المقصودة بهذه الكلمة؛ لأنه قال (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَـاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ).
ثم مَثَّلَ ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله (كَالرَاعِي يَرْعَى حَوْل الحِمَى, يُوشِـكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ) الراعي يكون معه شيء من الماشية، الماشية من طبيعتها أنها في بعض الأحيان تخرج عن مجموع الماشية وتذهب بعيدا، فإذا قارب حمى محمية، مثلا أرض محمية للصدقة، أو محمية في ملك فلان، أو ما أشبه ذلك، فإن مقاربته بماشيته للحمى لا بد أن يحصل من بعضها منهم، ويأخذ من حق غيره.
وهذا تمثيل عظيم في أن (حِمَـى اللهِ مَحَارِمُـهُ) وما هو داخل هذا الحمى هو الدين، وهذه المحارم حمى، فمن قارب فلا بد أن يحصل منه مرة أن يتوسع، فيدخل في الحرام، حتى في الأمور التي يكون عنده فيها بعض التردد، لا كل التردد.
فلهذا مَثَّلَ عليه الصلاة والسلام بهذا المثال العظيم، فقال (كَالرَاعِي يَرْعَى حَوْل الحِمَى, يُوشِـكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ) لأنه قَارَب. قال (أَلاَ وَإِنَّ لِكّـلِّ مَلِكٍ حِمَـى، أَلاَ وَإِنَّ حِمَـى اللهِ مَحَارِمُـهُ) فحمى الله محارمه، بها يقوَى دين المرء.
فهذا الحديث واضح الدِّلالة في أن من قارب الحمى، من قارب المحارم، من قارب الحرمات فإنه يوشك أن يقع في المحرم من جرّاء تساهله.