(الحديث التاسع)
عن أبي هُرَيرَةَ عبدِ الرحمن بنِ صَخْرٍ قال: سمعت رسولَ الله يقول «ماَ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَما أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإَنَّمَا أَهْلَكَ الْذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلاَفُهُم عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» [ رواه البخاري ومسلم ].
[الشرح]
هذا الحديث هو الحديث التاسع من هذه الأربعين النووية، وهو حديث أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدَّوسي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال(ماَ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَما أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، قال عليه الصلاة والسلام (ماَ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ) فما نهى عنه فإنّه يُجتَنَب، وهذا عام في كل منهي عنه، والمنهي عنه قسمان:
¨ منهي عنه للتحريم.
¨ ومنهي عنه للأفضلية، يعني يكون النهي فيه للكراهة.
وما كان للتحريم يجب فيه الاجتناب، وما كان للكراهية يستحب فيه الاجتناب.
إذن قوله عليه الصلاة والسلام (ماَ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ) هذا كقول الله جل وعلا)وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا([الحشر:7]، فالذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام نحن مأمورون بالانتهاء عنه، فإن كان محرما فالأمر بالانتهاء عنه أمرُ إيجاب، وإن كان مكروها فالأمر بالانتهاء عنه أمر استحباب.
إذا تقرر هذا، فالمنهي عنه خلاف الأصل؛ لأن الأصل في الشريعة ليس هو النهي، وإنما الأصل فيها الأمر، والمنهيات بالنسبة للأوامر قليلة، وما نُهِيَ عنه لأجل أنه خلاف الأصل لم يجعل الله جل وعلا النفوسَ محتاجة إليه في حياتها؛ بل هي مستغنية عما نُهِيَ عنه؛ فإذا نظرت في باب الأطعمة فإن ما أُهِلَّ به لغير الله ليس محتاجا إليه، الميتة ليس محتاجا إليها، والأشربة المسكرة ليس المرء محتاجا إليها، والألبسة المحرمة ليس المرء محتاجا إليها؛ وإنما في الحلال كثير كثير غُنْيَة عن هذه المحرمات، فتكون هذه المحرمات في كل باب كالاستثناء من ذلك الباب، فالمحرمات من الأشربة استثناء مما أُبِيحَ وهو الكثرة في باب الأشربة، والمحرمات من الأطعمة استثناء مما أُبِيحَ وهو الكثرة في باب الأطعمة، وهكذا في باب الألبسة، وهكذا في البيوعات والعقود، وأشباه ذلك، وهذا من لطف الله جل وعلا بالعباد؛ فإنّه جل وعلا ما جعل شيئا منهيًّا عنه فيه إقامة الحياة، بل كل المنهيات عنها إنما ابتلَى الله جل وعلا العباد بها.