| شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
said seso عضو ملكي
| موضوع: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:20 am | |
|
(الحديث الرابع والعشرون )
وعن أبي ذَرًّ الغِفاري عن رسول الله فِيما يَرْوِيهِ عن رَبَّهِِ -عزّ وجلّ- أنّه قال «يَا عِبَادِي إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فاستهد وني أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ؛ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. ياَ عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فاستكسوني أَكْسِكُمْ.يَا عِبَادِي؛ إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي؛ إنَّكم لَنْ تَبْلُغُوا ضُرَّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي؛ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ، وآخر كم، وأنسكم، وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؛ ما زاد ذلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي؛ لو أَن أَوَّلَكُمْ، وآخرَكم وَإِنسَكُمْ، وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يا عبادي؛ لَوْ أَنَّ أوَّلَكُمْ، وآخركم، وَإِنْسَكُمْ، وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتُهُ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِي؛ إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ، أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفَّكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا؛ فَلْيَحْمَدِ الله، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ » [رواه مسلم ] | |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:22 am | |
|
[الشرح]
هذا الحديث هو الحديث الرابع والعشرون من هذه الأحاديث الأربعين النووية، وهو عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه عن النبي فيما يرويه عن ربه أنه قال (يَا عِبَادِي إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا) الحديث، هذا الحديث حديث عظيم في بيان حاجة العبد وافتقاره إلى ربه جل وعلا، وما يحبه الله جل وعلا من العبد وما يكرهه. وهذا من الأحاديث القُدْسية؛ لأنه صُدِّر بقوله (فِيما يَرْوِيهِ عن رَبَّهِ) والذي يروي عن الله جل وعلا هو المصطفى ، وهذا يعني أنّ الحديث القدْسي يرويه النبي عن ربه جل وعلا بهذا اللفظ؛ لأنها رواية، والرواية تكون باللفظ لأنه هو الأصل؛ ولهذا فالحديث القدسي الذي يُنْمَى إلى الرب جل وعلا من الكلام وليس من القرآن، يعني فيما يقول فيه المصطفى : قال الله تعالى، قال ربكم. وأشباه ذلك. وليس من القرآن فيسمى حديثا قُدْسيا، ومعنى كونه قدسيا يعني: أنه جاء من القدوس جل وعلا يعني: أنه حديث مطهر عال على كلام الخلق، وهذا في معناه العام.
أما الحديث القدسي من حيث الاصطلاح فقد اختلف فيه العلماء، وعباراتهم متنوعة:
• والذي يتفق مع اعتقاد أهل السنة والجماعة أنّ الحديث القدسي من حيث اللفظ هو من الله جل وعلا، وأنّ النبي يرويه روايةً؛ يعني بلفظه، وليس له عليه الصلاة والسلام أن يُغيِّر لفظه.
• وبعض أهل العلم قالوا: إنّ معناه من الله جل وعلا ولفظه من المصطفى أبيح له أن يغير في لفظه، وهذا القول لا دليل عليه؛ لأنّه جاء ذلك بالنقل: قال الله تعالى، قال ربكم. والصحابة يقولون: فيما يَنْمِيه إلى ربه، فيما يبلغه عن ربه، فيما يرويه عن ربه. وهذه كلها من ألفاظ الأداء في الرواية، وليس ثَمَّ ما يدل على أن المعنى من الله جل وعلا وأن النبي يتصرف في الألفاظ بما يؤدي به المعنى؛ إذ لا دليل عليه كما ذكرنا، ولا حاجة له عليه الصلاة والسلام في ذلك. وأيضا هذا القول -وهو أنه من حيث اللفظ من النبي والمعنى من الله جل وعلا- يتفق مع قول الأشاعرة والماتريدية وأشباه هؤلاء في أن الله جل وعلا كلامه كلام نفسي؛ بمعنى أنه يلقي في روع جبريل المعاني، أو يلقي في روع المصطفى المعاني، ويعبر عنها جبريل بما يراه، ويعبر عنها المصطفى بما يراه. ولهذا عندهم القرآن عبارة عن كلام الله جل وعلا وليس هو بكلام الله جل وعلا الذي خرج منه جل وعلا وبدأ منه سبحانه وتعالى بكلماته وحروفه ومعانيه.
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:23 am | |
|
فإذن الذي يتفق مع عقيدة أهل السنة والجماعة في كلام الله جل وعلا أنّ الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله جل وعلا، ولم يُتَعَبَّد بتلاوته، فيصح أنْ نعرف الحديث القدسي بأنه: ما رواه المصطفى عن الله جل وعلا بلفظه ومعناه ولم يتعبد بتلاوته؛ يعني لم يكن بين دفتي المصحف. هذا هو الحديث القدسي. وغيره؛ مما يجعل اللفظ من المصطفى لا يتفق مع عقائد أهل السنة والجماعة.
قال هنا أبو ذر (فِيما يَرْوِيهِ عن رَبَّهِِ أنّه قال) يعني الله جل وعلا؛ يعني قال الله: (يَا عِبَادِي) فالمتكلم بهذا هو الرب جل جلاله، (يَا عِبَادِي إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا) وهذا النداء بـ (يَا عِبَادِي) فيه التودّد للعباد ولفت النظر إلى هذا الأمر العظيم، وهذه الوصية العظيمة.
قال جل وعلا (يَا عِبَادِي إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي) والتحريم عند أهل السنة والجماعة أنْ يحرم اللهُ جل وعلا ما شاء على نفسه أو على خلقه، فالوجوب والتحريم والحق يصحُّ عندهم أن يجعلها الله جل وعلا على نفسه، فيُحِقُّ حقا على نفسه، ويوجب واجبا على نفسه، ويحرم أشياءً على نفسه، وهذه كلها جاءت بها الأدلة. فالله جل وعلا أَحَقَّ حقا على نفسه في بعض الأشياء «وحقّ العبادِ على اللهِ أن لا يُعذّبَ مَنْ مَاتَ لا يُشركُ بالله شيئاً» وحرم أشياء على نفسه، ومنها الظلم كما في هذا الحديث، وهذا هو الذي يقرر في مذهب أهل السنة والجماعة، أما غيرهم فإنهم يجعلون الله جل وعلا مُنَزَّها عن أن يحرم عليه شيء، أو أن يجب عليه شيء. والذي حرم على الله هو الله جل وعلا، وهو سبحانه يحق من الحق على نفسه ما شاء، ويوجب على نفسه ما شاء، ويحرم على نفسه ما شاء، وهذا بما يوافق صفات المولى جل وعلا ويوافق حكمته، وما يشاءُه في بريته، فالله سبحانه حرم الظلم على نفسه، ومعنى كونه حرم الظلم على نفسه أي منع نفسه جل وعلا من أنْ يظلم أحدا شيئا.
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:24 am | |
|
وفي القرآن نصوص كثيرة فيها أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئا، وأنه جل وعلا لم يرد الظلم، ولم يَخْتَر الظلم على العباد كما قال سبحانه ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾[فصلت:46] وقال جل وعلا ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾[غافر:31] وقال سبحانه ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ﴾[آل عمران:108] وقال جل وعلا أيضا ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾[طه:112] والآيات في هذا كثيرة متنوعة ﴿إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[يونس:44] وهكذا. فالله جل وعلا وصف نفسه بأنه لا يظلم أحدا شيئا، وأن الظلم ليس إليه، وأنه لا يريد الظلم سبحانه وتعالى، والظلم المنفي عن الله جل وعلا هو الظلم الذي يُفسَّر بأنه وضع الأمور في غير مواضعها؛ لأنّ الظلم في اللغة بأن يوضع الشيء في غير موضعه.
ولهذا قيل للحليب الذي خلط بلبن حتى يروب، فخلط قبل أن يبلغ ما يصلح به قيل له: ظليم؛ يعني أنه ظلم حيث وضع الخلط في غير موضعه وقبل أوانه، مثل ما قال الشاعر: وقائلـةٍ ظلمـتُ لكـم سِـقائي | وهل يخفى على العُكَدِ الظليم |
ومنه أيضا سميت الأرض التي حفرت لاستخراج ماء وليست بذات ماء قيل لها: مظلومة، كقول الشاعر -وهو من شواهد النحو المعروفة-: إلَّا أواري لأْيًـا مـا أُبَيِّنُــها | والنُّؤي كالحَوضِ بالمظلومةِ الجَلد |
المقصود أنّ هذه المادة في اللغة دائرة على وضع الشيء في غير موضعه اللائق به، وغير هذا التفسير كثير، فالمعتزلة يفسرون الظلم بأنواع، والأشاعرة يفسرون الظلم بأنواع، وعند أهل السنة هذا هو تعريف الظلم، فقد قال بعضهم: إن الظلم هو التصرف في ملك الغير أو في اختصاصه بغير إذنه. وهذا نوع من وضع الشيء في غير موضعه، وليس هو بتعريف للظلم؛ ولهذا يورد عليه أشياء في بحث معروف في القدر في مبحث الظلم وفي اللغة.
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:25 am | |
|
المقصود من هذا أن الله جل وعلا قال (إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي) يعني حرّمت أن أضع شيئا في غير موضعه اللائق به على نفسي؛ منعت نفسي من ذلك. وهذا يدل على أن الله جل وعلا لو أراد إنفاد وضع الشيء في غير موضعه لكان له ذلك سبحانه وكان قادرا عليه؛ لأن الله قال ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾([1]) فهو سبحانه لم يرد ذلك. وهذا الحديث أيضا دال على أنه قادر على أن يفعل، ولكنه حرم ذلك على نفسه، ومنع نفسه من ذلك، وهذا من كرمه جل وعلا وإحسانه وفضله وإنعامه ومزيد مِنَّتِه على عباده، قال جل وعلا هنا (إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا).
الله جل وعلا حرّم الظلم على نفسه، وجعل الظلم بين العباد محرما؛ لأنه سبحانه يحب العدل وقد أقام السماوات والأرض على العدل، كما قرر أهل العلم أن السماوات والأرض قامت بالعدل، ولا يصلح لها إلا العدل، والعدل هو ضد الظلم؛ لأن العدل وضع الشيء في موضعه، والظلم وضع الشيء في غير موضعه.
فالله سبحانه أجرى ملكوته وأجرى خلقه على العدل، وهو وضع الأشياء في مواضعها وعلى الحكمة وهي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها، الموافقة للغايات المحمودة منها. فتحصّل من هذا أن الله جل وعلا يحب العدل ويأمر به، كما قال سبحانه ﴿اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾[النحل:90]. والله سبحانه حرم الظلم كما في هذا الحديث، وفي آيات كثيرة مر معك بعضها.
فإذا تبين ذلك فإن الله سبحانه جعل الظلم بين العباد محرما فقال (فَلاَ تَظَالَمُوا) وهنا نظر أهل العلم في سبب قوله: (إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي)؛ لأنه جعل بعدها (وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا) وهذا فيه بحث واسع في أثر أسماء الله جل وعلا وصفاته التي اتصف بها سبحانه على بريّته. فالأسماء والصفات لها آثار في الملكوت، آثار في الشريعة، آثار في أفعال الله جل وعلا في بريته، وهذا نوع من هذه الآثار؛ وهو أنه سبحانه لما أقام ملكه على العدل، وحرّم الظلم على نفسه أمر عباده بالعدل، وحرم الظلم فيما بينهم، والعباد مكلفون فإذا وقع منهم الظلم كانوا غير منفذين لمراد الله الشرعي، وإن كانوا غير خارجين على مراد الله الكوني؛ فلهذا يكون الله جل وعلا قد توعدهم إذ ظلموا، وقد نهاهم عن الظلم.
([sup][1])[/sup]غافر:31، آل عمران:108
. | |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:26 am | |
|
فإذن الظلم بأنواعه محرم، والظلم درجات، يجمعها مرتبتان:
Áالأولى: ظلم النفس، وظلم النفس قسمان:
• ظلم النفس بالشرك، وهو ظلم في حق الله جل وعلا؛ لأنه وضع العبادة في غير موضعها، في غير من تصلح له، المشرك، فكل مشرك ظالم لنفسه كما قال جل وعلا ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[الأنعام:82].
• والقسم الثاني من ظلم النفس أن يظلم النفس، بأن يعرضها من العذاب والبلاء بما لا يصلح لها، وهذا ظلم من العبد لنفسه. بأي شيء؟ بارتكاب الحرام والتفريط فيما أوجب الله جل وعلا وعدم أداء الحقوق، فهذا ظلم للنفس، لما؟ لأن من حق نفسك عليك أن تسعدها في الدنيا والآخرة، فإذا عرضتها للمعصية فقد ظلمتها؛ لأنك لم تجعلها سعيدة بل جعلتها معرضة لعذاب الله جل جلاله.
Á والمرتبة الثانية: ظلم العباد، وظلم العباد معناه التفريط، أو تضييع حقوقهم بعدم أداء الحق الذي أوجبه الله جل وعلا لهم، فمن فرّط في حق والديه فقد ظلمهم، ومن فرّط في حق أهله فقد ظلمهم؛ يعني لم يكن معهم على الأمر الشرعي، بل ارتكب محرما أو فرط في واجب فقد ظلمهم، ومن اعتدى على أموال الناس أو على أعراضهم أو على أنفسهم أو على ما يختصّون به فقد ظلمهم، وهذا كله محرم.
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:27 am | |
|
فإذن الظلم بأنواعه حرام، ولا يجوز شيء من الظلم؛ يعني أن يظلم أحدٌ أحدًا شيئا، وإنما يأخذ الحقَّ الذي له، قال جل وعلا بعد ذلك (فَلاَ تَظَالَمُوا) يعني لا يظلم بعضكم بعضا.
(يَا عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فاستهدوني أَهْدِكُمْ)، (كُلُّكُمْ ضَالٌّ) يعني أنّ الأصل في الإنسان أنه على الضلالة، الأصل في الإنسان من حيث الجنس أنه ظلوم وجهول، وهما سببا الضلال، قال جل وعلا ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾[الأحزاب:72]. فالأمانة هي أمانة التكليف، ولما كان الإنسان ظلوما جهولا كان الأكثر فيه أن يكون ضالا؛ ولهذا أكثر الناس ضالون، وهذا جاء في القرآن في نصوص كثيرة، قوله هنا (كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ) يدل على أن الأمر الغالب في عباد الله أنهم ضالون إلا مَنْ مَنَّ الله جل وعلا عليه بالهداية، وهذه الهداية تطلب من الله جل وعلا قال (فاستهدوني أَهْدِكُمْ) يعني اطلبوا مني الهداية أهدكم إليها. وهذا يدل على رغبة ابن آدم في الهداية إن طلبها من الله جل وعلا، فلا بد من ابن آدم أن يسعى في أسباب الهداية، فإذا رغِب فيها وفقه الله جل وعلا، وهذا مرتبط بمسألة عظيمة من مسائل القدَر، وهي أن الله جل وعلا يعامل عباده بالعدل، وخَصَّ طائفة منهم بالتوفيق، وهو أنه يعينهم على ما فيه رضاه سبحانه وتعالى (كُلُّكُمْ ضَالٌّ)، ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾[الضحى:7] يعني كان قبل البعثة ضال فهداه إلى الطريق، (كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فاستهدوني أَهْدِكُمْ) يعني اطلبوا مني الهداية أهدكم إليها. الهداية يطلبها كل أحد؛ الكامل؛ يعني السابق بالخيرات، والمقتصد، والظالم لنفسه، كلٌّ ينبغي عليه بل يجب عليه أن يطلب الهداية من الله جل وعلا؛ ولهذا فرض الله جل وعلا في الصلاة سورة الفاتحة، ومن أعظم ما فيها قوله -يعني من الدعاء- قوله جل وعلا ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾[الفاتحة:6] فطلب الهداية للصراط المستقيم هذا من أعظم المسائل وأجلها؛ يعني أعظم ما تطلبه من الله جل وعلا أن تطلب منه الهداية إلى الصراط المستقيم، والهداية مرتبتان؛ هداية إلى الطريق؛ بمعنى الإرشاد إليه والتوفيق له، والهداية بمعنى الإرشاد منها شيء قد جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، فهداية الدلالة والإرشاد تمت وقامت، ومنها الهداية -هداية الدلالة والإرشاد- التي تسأل الله جل وعلا أن يعطيك إياها، أن تكون مُرْشَدا إليها؛ لأن الالتفات إلى الإرشاد نوع من الاهتداء، فهداية النبي والهداية التي في القرآن موجودة بين ظهراني المسلمين لم يُفْقَد منها شيء ولله الحمد، لكن من يوفق إلى أن يُرْشَد إلى هذه الهداية، فإذن:
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:28 am | |
|
المرتبة الأولى: هداية الدلالة والإرشاد، وليست هي الهداية التي بمعنى أن تهدي غيرك، هذه الهداية التي هي طلب الهداية مرتبتان:
­ هداية الدلالة والإرشاد؛ يعني أن تطلب من الله جل وعلا أن يدلك ويرشدك على أنواع الهداية التي جاء بها المصطفى.
­ ومنه أيضا التوفيق لها، فإذا دُلِلت عليها فتسأل الله أن يوفقك لاتباعها.
هذه واحدة، ويدخل في ذلك قصد الإسلام، ويدخل في ذلك الهداية إلى شيء معين منه.
والنوع الثاني أو المرتبة الثانية: الهداية إلى تفاصيل الإيمان والإسلام، وما يحبّ الله جل وعلا ويرضى؛ لأن تفاصيل الإيمان كثيرة، ولأنّ تفاصيل الإسلام كثيرة؛ ولأنّ تفاصيل ما يحب الله جل وعلا ويرضاه، وتفاصيل ما يسخطه الله جل وعلا ويأباه كثيرة متنوعة. فكونك تسأل الرب جل وعلا أن يهديك هذا خروج من نوع من أنواع الضّلالة؛ لأن عدم المعرفة عدم العلم بما يحب الله وما به الهداية هذا نوع من البعد عن الصراط، المقصود أنّ هذا النوع من الهداية تطلب الله جل وعلا أنْ يهديك إلى تفاصيل الصراط، تفاصيل الإيمان، تفاصيل الإسلام، تفاصيل الاعتقاد؛ حتى تعلمه فتعمل به فتكون مرتبتك عند الله جل وعلا أعلى، قال جل وعلا (يَا عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فاستهدوني أَهْدِكُمْ.) وهذا من أعظم المطالب، نسأل الله جل وعلا أن يهدينا سواء السبيل.
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:29 am | |
|
قال (يَا عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ؛ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ) الرزاق هو الله سبحانه وتعالى، والرَّزْق منه، والأرزاق بيده يصرفها كيف يشاء، فهو الذي إذا فتح رحمة فلا ممسك لها كما قال في فاتحة سورة فاطر ﴿مَا يَفْتَح اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾[فاطر:2]، ومن ذلك الأرزاق التي تسد بها الجوارح، فقال جل وعلا (كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ؛ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ) وإطعام الجائع ورَزْق الفقير وأشباه ذلك، هذه من سأل الله جل وعلا إياها فإن الله سبحانه يعطيه، سواءً أكان كافرا أم كان مسلما، أكان عاصيا أم كان صالحا؛ لأنّ ذلك من أنواع الربوبية؛ من آثار الربوبية، وربوبية الله جل وعلا غير خاصة بالمسلم دون الكافر، أو بالصالح دون الطالح، فالجميع سواء في تعرضهم لآثار عطاء الله جل وعلا بأفراد ربوبيته، فيرزق سبحانه وتعالى الجميع، ويهب الأولاد للجميع، ويجيب دعوة المضطر من الجميع، وهكذا في إفراد الربوية، فقوله سبحانه (عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ؛ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ) مَنْ استطعم الله جل وعلا وسأله الطعام، سأله الرزق فإن الله جل وعلا قد يجيب دعاءه.
قال (ياَ عِبَادِي؛ كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فاستكسوني أَكْسِكُمْ) وهذا على نحو ما سبق، (يَا عِبَادِي؛ إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا؛ فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)، (إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنّهَارِ)، الخطأ هنا بمعنى الإثم؛ لأنّ الخطأ الذي هو بمعنى الخطأ أو عدم التعمد هذا معفو عنه، وهنا قال (إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا). فالخطيئة المقصود بـ (تُخْطِئُونَ) أي تعملون بالخطايا، تعملون الخطيئة، وهذا معناه العمل بالإثم، وهذا يُغفر بالاستغفار والتوبة والإنابة، فليس المراد طبعا الخطأ؛ لأن الله جل وعلا عفا عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، كما قال سبحانه في آخر سورة البقرة ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا﴾[البقرة:286].
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:30 am | |
|
قال (َاسْتَغْفِرُونِي)، (وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) هذا مقيد بما هو غير الشرك، أما الشرك فإن الله جل وعلا لا يغفره إلا لمن تاب وأسْلَم، أما غير الشرك مما هو دونه فإنّ الله جل وعلا يغفره سبحانه وتعالى إذا شاء أو لمن تاب، قال سبحانه في آخر سورة الزمر ﴿قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾[الزمر:53] أجمع المفسرون من الصحابة ومن بعدهم أنها في التائبين، فـ(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) لمن تاب، وقوله في سورة النساء ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[النساء:116] (لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الشرك غير داخل في المغفرة، (مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) يعني في حق غير التائب. فحصل لنا أن من تاب تاب الله عليه، فيغفر الله ذنبه أيًّا كان الشرك أو ما دونه، ومن لم يتب فإن كان مشركا فإن الله لا يغفر الشرك، وإن كان ذنبه ما دون الشرك فإنه تحت المشيئة، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه بذنبه، فإذن قوله هنا (وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) مقيد بما ذكرت لك. (فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) يعني اطلبوا مني المغفرة فأنا أغفر ذلك لكم، الحقيقة الحديث طويل، وكل كلمة تحتاج إلى بيان وإلى تفصيل، فلعلي أجمل فيما يأتي.
(يَا عِبَادِي؛ أنكم لَنْ تَبْلُغُوا ضُرَّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي) وهذا لأجل كمال الغنى، كمال غنى المولى جل وعلا، فإن الله سبحانه ذو الكمال في أسمائه وصفاته، ومن أسمائه الغَني، ومن صفاته الغِنى، فهو سبحانه غني عن العباد ولن يبلغوا نفعه ولن يبلغوا ضره سبحانه وتعالى بل هو الغني عن خلقه أجمعين.
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:31 am | |
|
وكما قال هنا (أنكم لَنْ تَبْلُغُوا ضُرَّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي) بل هو سبحانه أجل وأعظم من أن يؤثر العباد فيه نفعا أو ضرا، بل هم المحتاجون إليه المفتقرون إليه من جميع الجهات.
قال (يَا عِبَادِي؛ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ، وآخركم، وأنسكم، وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؛ ما زاد ذلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا) يعني أنّ تقوى العباد ليس المنتفع منها الرب جل وعلا بل هم المنتفعون، فهم المحتاجون أنْ يتقوا الله سبحانه وتعالى وهم المحتاجون أن يطيعوا ربهم سبحانه وهم المحتاجون أن يتقربوا إليه، وأن يتذللوا بين يديه، وأنْ يُروا الله جل وعلا من أنفسهم خيرا، وأما الله سبحانه وتعالى فهو الغني عن عباده الذي لا يحتاج إليهم؛ إنّ الله سبحانه وتعالى هو الكامل في صفاته، الكامل في أسمائه الذي لا يحتاج إلى أحد من خلقه، تعالى الله وتقدس عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
قال (يَا عِبَادِي؛ لو أَن أَوَّلَكُمْ، وآخركم وَإِنسَكُمْ، وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا) الذي يعصي الله جل وعلا لا يضر إلا نفسه، ولا يحتاج الله جل وعلا إلى طاعته، ولا يضرّه أن يعصيه سبحانه وتعالى، وهذا يعظم به العبد الرغب في الله جل وعلا؛ لأنه سبحانه هو ذو الفضل والإحسان، وذو المنة والإكرام، والعباد هم المحتاجون إليه.
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:33 am | |
|
قال (يا عبادي؛ لَوْ أَنَّ أوَّلَكُمْ، وآخركم، وَإِنْسَكُمْ، وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ –منهم- مَسْأَلَتُهُ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) المخيط المراد به الإبرة السميكة، إذا أدخلت في البحر ثم أخرجت فإنها لا تأخذ من ماء البحر شيئا. فلو أن أول العباد وآخرهم وإنسهم وجنهم سألوا الله جل وعلا في صعيد واحد سأل كل واحد مسألته، فأعطى الله كل واحد ما سأل ما نقص ذلك من ملك الله جل وعلا شيئا إلا كما ينقص المخيط، كما تنقص الإبرة من الحديد إذا أدخلت في البحر ثم خرجت، فإنها لا تنقص من البحر شيئا يذكر، وهكذا؛ لأن ملك الله جل وعلا واسع، ولأنّ ملكوته عظيم، وحاجات العباد ليست بشيء في جنب ملكوت الله جل وعلا.
فإنهم يُعْطَوْنَ مما في الأرض يعني بعض ما في الأرض يكفي العباد أجمعين وملك الله جل وعلا واسع، وما الأرض والسماوات السبع في كرسي الرحمن إلا كدراهم ألقيت في ترس يعني أنها صغيرة جدا، فحاجات العباد متعلقة بالأرض وما حولها؛ يعني والسماء التي تقرب منهم، وهذا إذا أعطي كل أحد ما سأل فإنه يعطى مما في الأرض، وهذا شيء يسير جدا بالنسبة لما في الأرض، فكيف بالنسبة إلى ملكوت الله جل وعلا.
| |
|
| |
said seso عضو ملكي
| موضوع: رد: شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية الجمعة أغسطس 21, 2009 2:34 am | |
|
قال جل وعلا بعد ذلك (يَا عِبَادِي؛ إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ، أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفَّكُمْ إِيَّاهَا)، (إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ) يعني أنّ المقصود من إيجادكم الابتلاء والتكليف فإنما الأمر راجع إلى أعمالكم، لم يخلق الله جل وعلا الخلق لأنهم سينفعوه، أو لأنه يخشى منهم أن يضروه، أو لأنه سبحانه محتاج أن يعطيهم، بل إنما هو الابتلاء، ابتلاؤهم بهذا التكليف بهذا الأمر العظيم، وهو عبادته سبحانه، كما قال ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾[الأحزاب:72]، وكما قال جل وعلا ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي(56)مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ(57)إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:56-58]، فغنى الله سبحانه وتعالى عن عباده أعظم الغنى، وهم محتاجون إليه، والابتلاء حصل بخلقهم، فابتلى الله العباد بحياتهم، ونتيجة هذا الابتلاء أنّ أعمالهم ستحصى (إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ، أُحْصِيهَا لَكُمْ) وقوله جل وعلا (أُحْصِيهَا) الإحصاء بمعنى العدّ التفصيلي والحفظ؛ لأن الإحصاء له مراتب؛ فمنها العد التفصيلي، ومنها الحفظ وعدم التضييع، كما قال جل وعلا ﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94)وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾[مريم:94-95]، وكما قال جل وعلا ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾[الجن:28]، والإحصاء يشمل معرفة التفاصيل وكتابة ذلك، ويشمل أيضا الحفظ وعدم التضييع، فـ(إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ، أُحْصِيهَا) يعني تكتب عليكم بتفاصيلها، وأعرِّفكم إياها بتفاصيلها، وأحفظها لكم فلا تضيع، (ثُمَّ أُوَفَّكُمْ إِيَّاهَا) الحسنات بالحسنات، والسيئات بما يحكم الله جل وعلا فيه، فمن فعل السيئات فهو على خطر عظيم، ومن فعل الحسنات فهو على رجاء أن يكون من الناجين.
قال (فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا؛ فَلْيَحْمَدِ الله، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) لأنّ العبد هو الحسيب على نفسه ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾[المدثر:83] كل نفس تعلم ما تعمل وصوابَها وخطأَها ولو ألقت المعاذير ﴿بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾[القيامة:14-15] قال (فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا؛ فَلْيَحْمَدِ الله) يعني فليثن على الله جل وعلا بذلك؛ لأنه هو الذي أعانه. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه؛ لأن العبد هو الذي جنى على نفسه، والله سبحانه أقام الحجة وبين المحجة، وسلك بنا السبيل الأقوم، فالأمر واضح والعباد هم الذين يجنون على نفسهم.
| |
|
| |
| شـــــــــــــــرح الحديـــــــث النبوى الـــــرابـــــــع والعـشــرون من الأربعين النووية | |
|