[الشرح]
هذا الحديث من حيث تفاصيل الصدقات يكفي عنه ما مر معنا في الحديث السابق؛ لأن هذه التي ذكرت بعضها من الصدقات الذاتية، وبعضها من الصدقات المتعدية، لكن الذي يهمّ منه قوله عليه الصلاة والسلام (كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةً) (سُلاَمَى) هذه المقصود منها العظام أو المفاصل. من أهل العلم من قال العظام، ومنهم من قال: مفاصل العظام، يعني الصلات بين العظم والعظم، أو العظام أنفسها، فعظام الإنسان كثيرة، والله جل وعلا من عليه بهذه، فخلقك في أحسن تقويم، وجعلك في تصرفك في عظامك، وما ابتلاك به في شكر هذه النعمة، جعلك في محطّ الابتلاء، فهل تشكر أم لا تشكر؟.
فقال عليه الصلاة والسلام هنا (كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ) يعني كل عظم من أعظم ابن آدم، أو كل عظم أو كل مفصل من مفاصل جسد ابن آدم عليه صدقة، فقوله (عَلَيْهِ) نَعلم من الأصول أنها من ألفاظ الوجوب، فيدل على أن شكر هذه النعمة واجب؛ فشكر نعمة البدن، نعمة العظام، نعمة المفاصل واجب. دلّ على الوجوب قوله (عَلَيْهِ صَدَقَةً)، (كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةً) يعني يجب عليه على كل مفصل أن يتصدق بصدقة تقابل تلك النعمة، وتكون شكرا لها، هذه التي ذكرت أمثال لبعض الصدقات.
والصدقة الواجبة التي بها يخلص المرء من الإثم في عدم شكر نعمة البدن: ألاّ يستعمل هذه المفاصل في معصية الله جل وعلا. فإذا كان يوم من الأيام سلم في ذلك اليوم من المحرمات التي فعلها بهذه المفاصل، أو سَلِمَ من ترك أداء الواجبات، واستعمل المفاصل في أداء الواجبات، فقد أدّى الشكر الواجب في ذلك اليوم، فكل مقتصد؛ يعني فاعل للواجب تارك المحرم في يوم قد أدى شكر ذلك اليوم الواجب الذى يجب عليه لنعمة البدن.
ثم هناك شكر مستحب، وهو أن يأتي بأنواع الصدقات المستحبة؛ القولية، والعملية، والمالية، وأن يأتي بنوافل العبادات المتنوعة.